الشرح السابق:مخاطر المفاعلات النووية
نبذة عن تاريخ القنبلة الذرية:
في عام 1934 اكتشـف عالم ألماني أن انشـــطار ذرة اليورانيوم يحدث بســرعة ، ويولد كمية هائلة من الطاقة ويمكن أن يحدث انفجارا هائلا. أخذ الألمان بتطوير هذه الفكرة والاسـتفادة منها في تصنيع القنبلة النووية، لم يسـترع ذلك اهتمام أحد إلى أن قامت ألمانيا بإيقاف تصـدير اليورانيوم من مناجم
تشيكوسلوفاكيا المحتلة من قبل الألمان.
في الثاني من أغســطس 1939 ، وقبل بدء الحرب العالمية الثانية ، قام البرت أينشــتاين Albert Einstein بكتابة رســــــالة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت Roosevelt . D Franklin واصــفا
ً فيها الطاقة الهائلة التي تنتج عن الانشــــطار النووي ومعبرا فيها وزملاءه عن قلقهم الشـديد من إمكانية ، تحويل ألمانيا النازية الانشـطار النووي إلى قنبلة نووية.
أينشــــتاين عالم ألماني المولد ، يهودي الديانة ،
وكان معارضا لاستغلال الطاقة النووية لتصنيع الأسلحة .
عقـد قـادة الجيش الأمريكي العزم على امتلاك هـذه التقنيـة مهمـا كلف الأمر ، فـأخـذوا يبحثون عن بنـاء
يصلح كمختبر لإنتاج القنبلة النووية ، بحيث يبعد الموقع (200) ميل على الأقل عن الحدود البحرية
والدولية ، ويجب أن يبعد كثيرا عن التجمعات الســكانية ، لأن أي خطأ قد يكلفهم الكثير من الخسـائر البشرية .
اســــتقر رأيهم على منطقة فى أرض صـحراوية في ولاية نيومكســيكو في منطقة تعرف باســــم Jornada Muerto del وتعني رحلة إلى الموت ، في مشـروع عرف باسـم مشـروع مانهاتن السـري Manhattan Project.
عمل في هذا المشـروع العديد من العلماء ، وأغلبهم من ألمانيا. لم يكن أحد من العلماء على دراية بما
ســيحدث بعد بدء التفاعل النووي ، حتى أن أحد العلماء اعتقد أن ولاية نيومكســـــيكو ســـــتختفي حينئذ من
الوجود .
اخيرا ، وبعد سلسلة من النجاحات والفشل ، وبعد ست سنوات من بداية المشروع عام 1939 .وبعد إنفاق أكثر من (2 بليون دولار) ، أصبح العلماء جاهزين لاختبار نتائج
عملهم ، وقبل شروق شمس السادس عشر من يوليو عام 1945
وفي الساعة 05:30 غطى السماء ضياء برتقالي ساطع يشبه حبة
المشــروم (الفطر) كما فى الشــكل المجاور ، في مشــهد لم يكن لأحد أن يراه من قبل ، ســــمع دوي الانفجار على مســــافة (150)
ميـل بعيـدا عن الموقع ، وتحولـت الرمـال في موقع الانفجـار إلى زجاج أخضر من شدة الحرارة.
وكان الرئيس الأمريكى روزفلت قد مات فجأة في الثاني عشــر من أبريل 1945 ، وأصــبح بعده هاري ترومـان Truman Harry ، رئيسا وكـان العـديـد من الأمريكيين يعتقـدون أنـه غير مؤهـل لتولي هـذا المنصب ، وبالفعل ارتكب هذا الرئيس أكبر مذبحة في القرن العشرين .
فقد كانت الحرب شبه محسومة لصالح الحلفاء ، وأخذ اليابانيون يقاتلون بشكل انتحاري . وكان الاعتقاد
السائد عند بعض الأمريكيين حينئذ أن الحرب لن تحسم إلا باجتياح اليابان ، ولكن هذه المغامرة ستكلف
الأمريكيين الملايين من الأرواح فكان البديل أن تحسم باستخدام القنبلة النووية .
كان كثير من الأشـــخاص قد نصحوا الرئيس بعدم اسـتخدام القنبلة النووية ضـد اليابان ، وعلى رأســـهم
الجنرال دوايت أيزنهاور Eisenhower Dwight قائد قوات الحلفاء في أوروبا وذلك لســببين :
الأول أن
اليابان كانت على وشـك الاسـتسـلام ، ولا يوجد ضـرورة لضـربهم بشـيء مروع مثل هذا .
والثاني الكره أن
يســــتخدم الحلفاء هذا السلاح ألول مرة . ولألسـف ، أعطى الرئيس ترومان قراره باســــقاط القنبلة النووية
فوق مدينة هيروشيما اليابانية في أغسطس 1945.
قد فكر الأمريكيون في إنذار اليابانيين أوالًا ولكن خوفهم من نقل اليابانيين الأسرى الحرب من الحلفاء
لموقع الانفجار ، والرغبة فى إظهار قوة الأمريكيين و لإرهاب اليابانيين والسـوفييت - القوة الجديدة على
الساحة – حال دون ذلك .
في السـاعة 2:45 من صـباح يوم السـادس من أغسـطس 1945 ، أقلعت القاذفة 29-B محملة بقنبلة
نوويـة من قـاعـدة أمريكيـة في جزيرة تينيـان Island Tinian في غرب المحيط الهـادي . وبعـد سـت سـاعات ونصـف بالتوقيت الياباني وفي السـاعة 15:8 صـباحا تقريبا .ألقيت القنبلة من على ارتفاع 580 متر، فوق مركز مدينة هيروشـــيما ، وانفجرت بعد ذلك بدقيقة لتحدث أكبر مجزرة فى تاريخ الإنســـانية.
ثم فى التاســــع من أغســــطس ألقيت القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكى ، وقد قتلت القنابل ما يصــــل إلى
140000 شــــــخص في هيروشــــــيما، و80000 في ناجازاكي ، متأثرين بالجروح أو بسـبب الصـدمات
والحروق الإشعاعية ، ليسجل شهر أغسطس نفسه رسميا شهرا للمذابح عبر التاريخ.
كارثة تشرنوبيل:
كارثة تشـيرنوبل هي أكبر حادثة نووية إشــعاعية في التاريخ ، وقعت هذه الكارثة في المفاعل رقم 4
من محطة تشـيرنوبل للطاقة النووية يوم الســبت 26 أبريل من عام 1986 ،قرب مدينة بريبيات في
شـمال أوكرانيا السوفيتية ، وذلك أثناء إجراء عملية محاكاة وتجربة لأحد اختبارات الأمان (كان من
المفترض القيام بها في بداية تشـــــــغيل المفاعل إلا أن المســـــــؤولين عنه - طمعا في تقدير زائف بســـــــرعة
الإنجاز وطمعا في أوسمة حصلوا عليها بالفعل بسبب انتهائهم من بناء المفاعل في وقت قياسي ظاهريا.
- أمـا في الواقع فـإنهم أجلوا اختبـار الأمـان هـذا حتى وقـت الكـارثـة في الوحـدة الرابعـة التي وقع فيهـا
الانفجار.
وفكرة هذا الاختبار تتلخص في أن المحطة تنتج طاقة كهربية من الطاقة الحرارية الناتجة داخل المفاعل
نتيجة انشـطار ذرات قضــبان وقود اليورانيوم الموجودة بقلب المفاعل. لكن هناك ســــــؤال: ماذا لو حدث
Blackout وتوقف إمداد الكهرباء فجأة بدون ســابق إنذار؟ في هذه الحالة ســتتوقف مضــخات مياه تبريد
المفاعل أيضا وتزداد درجة حرارة المفاعل ، ولذا كان الحل المقترح هو وجود مولدات ديزل لتشغيل هذه
المضخات لضمان استمرار تبريد قلب المفاعل.
لكن هناك أيضـا مشـكلة وهى أن مولدات الديزل تأخذ دقيقة أو أكثر حتى تدخل في الخدمة فكيف سـيتم
تغذية مضــــخات المياه خلال هذه الفترة؟
كان اختبار الأمان الهدف منه دراســــة هذه الحالة ودراســــة توليد
الكهرباء خلال الفترة قبل تشـــغيل مولد الديزل من حركة المولد الأصـــلي بالقصـــور الذاتي. وحتى يتم هذا
الاختبار يجب تخفيض إنتاج المحطة إلى أقل قدر ممكن ليماثل حالة الانقطاع التام أو يشابهها.
وما حدث في هذه الليلة أن مركز التحكم في الطاقة الكهربائية رفض تخفيض الأحمال أثناء النهار وطلب
إجراء الاختبار أثناء الليل وهنا كان أول المشـاكل فجميع مهندسـي المناوبة الليلية لم يكن من بينهم أحد
ذو خبرة في هذا الاختبار ، ومع ذلك أصـر مدير المحطة على إجراء الاختبار أثناء الليل وكلف مهندسـا
عمره 25 سنة وحديث التعيين بالمحطة ( خبرته لا تتجاوز 4 أشهر ) بالقيام بعملية تخفيض الأحمال.
وما حدث أن التخفيض كان أكبر من اللازم فارتفعت درجة حرارة المفاعل لدرجة شـديدة الخطورة مما
اضـــطر المسـئولين إلى ضـغط زر الطوارئ الخاص بفصـــل المفاعل نهائيا عن طريق انزال كل أعمدة
البورون لامتصاص النيترونات وتوقف التفاعل لكن كان هناك مشـــــكلة أخرى في تصـــــميم هذا المفاعل
الروســــي وهى أن قضــــبان البورون تنزل برؤو س من الجرافيت أولا (لأنها أرخص من غيرها) وللأســف
هذه الطريقة جعلت الحرارة تزداد لثوانى قبل أن تشــرع في الانخفاض وهذه الزيادة في الثوانى الأولى بعد
ضـغط زر الطوارئ كانت كافية لاعوجاج أعمدة الجرافيت وعدم إمكانية إســــــــــــقاطها في قلب المفاعل
وجعل الحرارة ترتفع بعد ذلك بشـــــــكل هائل دون تحكم أي أن المفاعل تحول إلى قنبلة ذرية وتتســـــــبب في
الانفجار.
نتج إذن هذا الخلل عن تراكم أخطاء بشرية وقلة خبرة مهندسين شبان قاموا بالمناوبة تلك الليلة بالإضافة
إلى عيوب تصميم في المفاعل الروسي. وأدى ذلك إلى حدوث اضطراب في إمدادات الطاقة في جمهورية
أوكرانيا الســوفيتية، كما أدى إلى إغلاق المصــانع وتجريف المزارع بســبب تلوث التربة بالإشــعاع ، و تقرر
أيضـــا إعدام كافة الحيوانات الأليفة وكذلك الطيور في المنطقة المنكوبة وبلغت الخســـائر المادية ما قيمته أكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي.
وقد لقي 36 شــخصــا مصــرعهم حســب الرواية الرســمية الســوفيتية
بينما قدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسـبب الحادث في الأيام الأولى فقط بأربعة آلاف شـخص،
وقالت الســـلطات الأوكرانية إن عدد الضـــحايا يبلغ ثمانية آلاف شـــخص.
وشـــككت منظمات دولية أخرى
في هذه الأرقام وتوقعت وفاة ما بين عشرة آلاف وأكثر من تسعين ألف شخص نتيجة إصابتهم بسرطان
الغدة الدرقية المميت. وتنبأت منظمة السـلام الأخضـر بوفاة 93 ألف شـخص بسـبب الإشـعاعات الناشـئة
عن الحادث، و قد تم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل.
وبعد حدوث الانفجار بدأت عمليات دفن وتغليف المفاعل بالخرسـانة المسلحة لمنع تســــــرب الإشــــــعاع
الناجم عنه والذي أدى إلى وفاة عدد كبير في السنوات اللاحقة متأثرين بالإشعاع وخاصة أمراض سرطان
الغدة الدرقية .وقد لوحظ في الأعوام الأخيرة وجود تشـقق في الغالف الخرسـاني ، و لذلك هناك دراسـات
لعمل غلاف جديد أكثر سماكة وأفضل عزلا.
وربما كان قيام الاتحاد الســوفييتي بالإعلان عن حدوث هذا الانفجار على أراضــيه، ثم طلب المعونة من
دول العالم، أحد مظاهر التغيير في سـياسـة الدولة الذي كان تتزعم الكتلة الشـيوعية والتي كان لا يكشـف عن مثل تلك الأحداث فيها أبد.
ملحوظة:
في مايو 2019 ،عرض مسـلسـل تلفزيوني أمريكي باسـم تشـيرنوبيل Chernobyl و هو مسـلسـل درامي
تاريخي قصــير مكون من خمس حلقات فقط ، والمســلســل من أروع ما أنتجته الســينما الأمريكية (حصــل
على المركز الأول في تاريخ المسـلسلات الأمريكية بمجرد البدء في عرضــــه) ، وأنا أنصــــح بمشــــاهدته
حيث أن جميع المعلومات العلمية فيه صحيحة وتم مراجعتها بدقة من قبل لجنة علمية وهو منتج في
إطار درامى مشوق .